الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في الاعتصار: ابن عرفة: هو ارتجاع المعطي في عطيته دون عوض بلا طوع المعطى أخرج به هبة المعطى بالفتح للمعطي بالكسر وصيغته ما دل عليه لفظاً كان بمادة الاعتصار أو الرجوع أو الرد أو غير ذلك، وهو يصح في الهبة والعطية والعمرى والنحلة كما في المدونة قال فيها: وأما الحبس فإن كان بمعنى الصدقة لم يعتصر، وإن كان في معنى الهبة بكونه سكنى أو عمرى إلى شهر أو شهرين ثم مرجعها إليه فإنه يعتصر.(الاعتصار) مبتدأ خبره (جاز فيما يهب أولاده) مفعول به (قصداً لمحبة) مفعول لأجله (الأب) فاعل يهب، وظاهره كان الأولاد كباراً أو صغاراً وهو كذلك، واحترز بقصد المحبة مما إذا كانت الهبة لله والدار الآخرة أو كانت هبة ثواب فإنه لا اعتصار في ذلك، واحترز بالأب من جد وجدة وعم وأجنبي فإنه لا اعتصار لهم إلا أن يشترطوه عند الهبة. (والأم ما حيي أب تعتصر) أي تعتصر ما وهبته لولدها الصغير مدة حياة الأب ما لم تفت الهبة، فإن فاتت الهبة بزيد أو نقص ونحوهما فلا اعتصار لها، وظاهر أنه إذا مات الأب لا اعتصار لها أيضاً وليس كذلك (خ) كأم فقط وهبت ذا أب ولو تيتم على المختار، وهذا في الصغير وأما الكبير فتعتصر منه وما وهبته مطلقاً (وحيث جاز) ممن ذكر (الاعتصار) فإنه (يذكر) في الوثيقة أن يقول: وسلط عليها حكم الاعتصار أو هبة يصح اعتصارها أو من شأنها الاعتصار ونحو ذلك، فإن لم يذكر ذلك في الوثيقة فلا يسقط حكم الاعتصار لأن ذكره إنما هو على وجه الكمال وحسم مادة الخلاف لئلا ينازع الولد أباه إذا اعتصر منه، وإلاَّ فالسنة أوجبت له الاعتصار، وإن لم يذكره الأب ولا الموثق في وثيقته، ونظيره: كتب الموثق رضا المضمون بالضمان حسماً لمادة الخلاف وإلاَّ فالمشهور عدم اعتبار إذنه ورضاه كما تقدم في قوله: ولا اعتبار برضا من ضمنا. وكذا كتبه في بيع الأصول وحل المبتاع محل بائعه فيما ابتاعه ونزل فيه منزلته وأبرأه من درك الإنزال إلخ. فإنه إنما يكتب حسماً لمادة الخلاف، وإلاَّ فالعقد يوجبه ويدخل في ضمانه بمجرده (خ) وضمن بالعقد إلخ... قال ابن سهل: مضى عمل الأندلس بالإنزال أي بكتبه. قال: ولا معنى له إذا لا يلزم عليه ضمان ولا غيره. اهـ. يعني: وإنما يكتبونه خروجاً من خلاف أشهب الذي يقول البيع هو العقد مع القبض لا العقد فقط فلا ينتقل ضمان المبيع للمشتري على قوله: بالقبض، فحسموا مادة الخلاف بالتنصيص على الحلول والإنزال في المبيع كما مرَّ صدر البيوع وسيأتي عند قوله: وناب عن حيازة الشهود إلخ... أن العمل على الإنزال، ومفهوم قوله: حيث جاز إلخ... أن الهبة إذا كانت في معنى الصدقة فإنه لا يذكر فيها إلا أن يشترطه كما مرّ. (وضمن) في رسم الاعتصار (الوفاق في الحضور) أي حضور الابن الكبير (إن كان الاعتصار من كبير) فهو كقول ابن سلمون وإن كان الابن كبيراً قلت: وبمحضر الابن وموافقته على ذلك. اهـ. وهذا من باب قطع النزاع أيضاً لأنه قد يدعي ما يمنع الاعتصار من صدقة أو فوات بدين ونحوه فحضوره وموافقته يقطع ذلك، فالتضمين المذكور إنما هو من باب الكمال كالذي قبله وإلا فهو يعتصرها منه جبراً عليه. (وكل ما يجري) من العطية والنحلة والعمرى (بلفظ الصدقة) أو كان بلفظ الهبة ودلت القرائن على قصد الصدقة والدار الآخرة (فالاعتصار أبداً لن يلحقه) إلا أن يشترطه عند عقد الصدقة كما مر (خ) كصدقة بلا شرط إلخ... ومفهومه أنها إذا كانت بشرط فيعتصرها. قال ابن الهندي: فإن قيل كيف يجوز أن يشترط في الصدقة الاعتصار والصدقة لا تعتصر؟ قيل: وسنة الحبس لا يباع وإذا شرطه المحبس في نفس الحبس كان له شرطه. اهـ. فيؤخذ منه أنه كما يعمل بشرط الاعتصار في الصدقة من الأب والأم يعمل بشرطه فيها على أجنبي وهو كذلك خلافاً للمشدالي. (ولا اعتصار) أصلاً (مع) حصول (موت) للموهوب له أو الواهب (أو) حصول (مرض) متصل بموت (له) أي للواهب أيضاً (أو) حصول (النكاح) للموهوب له بعد الهبة (أو) حصول (دين عرض) أي حدث للموهوب له أيضاً بعد الهبة لتعلق حق الغير بها في النكاح والدين لأنهم إنما أنكحوه وداينوه لأجلها، ولأنه في مرض الواهب يعتصر لغيره وفي مرض الموهوب له تعلق بها حق ورثته، وأحرى بخروجها من يد الوليد ببيع أو هبة ونحوهما لتعلق حق المشتري والموهوب له بها، وكذا لو فاتت الهبة بزيادة أو نقص في ذاتها لأن تغيرها بذلك يصيرها غير الموهوب، وكذا لو وطئ الولد البالغ الأمة الموهوبة أو أعتقها أو كاتبها، وأما حوالة الأسواق فلا تفيته، ومفهوم قوله: عرض إلخ... أن المرض والنكاح والدين إذا لم يعرض واحد منها بل كان موجوداً وقت الهبة فإنه لا يمنع الاعتصار، وكذا لو صح من المرض العارض بعدها فإن الاعتصار يعود ويصح. (خ) وللأب اعتصارها من ولده كأم إن لم تفت لا بحوالة سوق بل بزيد أو نقص ولم ينكح أو يداين لها أو يطأ ولو ثيباً أو يمرض كواهب إلا أن يهب على هذه الأحوال ويزول المرض على المختار أي: بخلاف زوال النكاح والدين فلا يعود معه الاعتصار لأن المرض إذا زال تنقطع توابعه، والنكاح والدين لا تنقطع توابعهما لأن الصداق قد يستحق، وكذا ما دفعه للغرماء بمجرد النكاح والدين مانع بخلاف المرض. (وفقر موهوب له ما كانا) صغيراً أو كبيراً رشيداً أو سفيهاً وهو مبتدأ (لمنع الاعتصار) منه (قد أبانا) خبر والمجرور يتعلق به. قال في الوثائق المجموعة: إذا كانت هبة الأبوين على فقير من بنيهما فليس لهما الاعتصار لأن من وهب لفقير قد علم أنه إنما أراد الصلة والأجر. اهـ. بنقل (م) ومثله في ابن سلمون، فظاهرهما كالناظم كان الولد صغيراً أو كبيراً كما قررنا. وقال اللخمي: اختلف في اعتصار الأب إذا كان الولد كبيراً فقيراً فقيل: للأب أن يعتصر، ومنع ذلك سحنون وقال: إنما يعتصر إذا كان الولد في حجره أو بائناً عنه وله مال كثير. اللخمي: يريد إذا كان في حجره فله أن يعتصر وإن كان فقيراً لأن القائم له والمنفق عليه فهو في معنى الموسر إلخ... فخلاف سحنون إنما هو في الفقير الكبير ومع ذلك صدر بأنه يعتصر كما ترى، وكذا صدر به في الشامل فقال: وكذا له أن يعتصر من ولد فقير، ومنعه سحنون قائلاً: لا يعتصرها إلا ممن في حجره أو أن بان عنه وله ومال إلخ... وذلك كله يفيد أنه يعتصر في الصغير اتفاقاً، وكذا في الكبير على المذهب، ولذا لم يذكر في (خ) الفقر من مواضع الاعتصار، وهذا كله ما لم يصرح في هبته بقصد الثواب والأجر وإلاَّ فلا اعتصار كما مرَّ. (وما) نافية (اعتصار) خبر عن قوله (بيع شيء قد وهب) والتقدير: وما بيع شيء قد وهب اعتصار (من غير إشهاد به) أي بأن بيعه لذلك اعتصار (كما يجب) فيه، وبيعه محمول على أنه لغبطة أو مصلحة فهو كقول ابن سلمون: ولبعض فقهاء الشورى فيمن وهب لابنه الصغير هبة سلط عليها حكم الاعتصار ثم بعد ذلك باعها باسم نفسه ومات إن الثمن للابن في تركة أبيه وليس بيعه باسم نفسه عصرة منه إلا أن يشهد عند البيع أو قبله أن بيعه عصره منه لا هبة وإلاَّ فلا. اهـ. زاد في الطرر: ولا يصح الاعتصار بعد البيع لأنها قد تغيرت عن حالها، ولا مفهوم لشرطه الاعتصار لأنه شرط مؤكد فقد لأن سنتها الاعتصار ولو لم يشترط. وفي ابن عرفة قال بعض فقهاء الشورى من شرط في هبة ابنه الاعتصار ثم باعها إلى آخر ما مر فأسقط التقييد بالصغير، فظاهره كالناظم أنه لا يكون عصرة مطلقاً، وما ذاك إلا لكون البيع ليس صريحاً في الاعتصار فيها معاً حتى يقع الإشهاد به كما ترى. قال في الكراس الثالث عشر من معاوضات المعيار راداً على من قال: إن البيع عصرة ما نصه: فأما إيحاب العصرة بلفظ محتمل يتسلط عليه التأويل فلا يصح لأن الهبة قد صارت ملكاً للموهوب له فلا يصح نقلها عن ملكه إلى ملك الأب بأمر محتمل لقوله (صلى الله عليه وسلم): (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس). اهـ. الغرض منه وهو صريح في أنه لا فرق بين الكبير والصغير لأن الأب يكون قد أراد أخذ ذلك الثمن مع كونه لم يقصد بالبيع الاعتصار من غير طيب نفس الولد به، لكن إذا لم يكن اعتصار في الكبير أيضاً فيفصل فيه بين أن يكون الأب باعها قبل أن يحوزها الكبير بعد علمه وتفريطه فيجري على ما تقدم عند قوله: ومن يصح قبضه وما قبض إلخ... أو يكون باعها بعد حوزه إياها فيجري على بيع الفضولي، وقد مر الكلام عليه في فصله. وظاهر قولهم: إلا أن يشهد عند البيع أو قبله أن قول الأب بعده إنما قصد به الاعتصار غير مقبول، وهذا كله في البيع. ويفهم منه أنه في الهبة لا يكون اعتصار إلا بالإشهاد أيضاً في الصغير والكبير لأن الصغير هو الذي يحوز له فيه هبة ثابتة بعد الحوز لا تصح للثاني ولو حازها. وكذا في الكبير بعد حوزه إياها لا قبل حوزه فتكون للثاني إن حاز كما مر.تنبيه:ذكر في الكراس الرابع من معاوضات المعيار عن سيدي مصباح: أن من حبس على ابنه ملكاً ثم باعه فإن ذلك يعد منه اعتصاراً وهو مخالف لما مر من أنه لا يكون اعتصاراً حتى يشهد بأن بيعه اعتصار. ولما ذكر أن تصرف الأب في الهبة والبيع لا يعد اعتصاراً استدرك ما إذ صير الهبة التي وهبها لابنه في دين له على أبيه فقال: (لكنه يعد مهما) أشهد بأنه (صيرا ذاك) الموهوب (لموهوب له) الذي هو الابن في الدين الذي للابن عليه (معتصرا) له ويصير الموهوب ملكاً للولد عوضاً عن الدين الذي كان له على أبيه، لا بالوجه الأول الذي هو الهبة، فقوله: معتصراً مفعول ثان ليعد، والفرق أن التصيير على هذا الوجه لا يحتمل غير الاعتصار لأن إدخال الموهوب في ملك الولد بسبب الدين الذي له على الأب فرغ إدخالها في ملك الأب، وإلاَّ لم يكن قضاء لدينه بخلاف البيع، فإنه يحتمل أن يقصد به الاعتصار، ويحتمل أن يكون قصد به الغبطة والمصلحة، فإذا لم يكن أشهد أنه قصد به الاعتصار لم يكن اعتصاراً إذ لا ينتقل الملك عن مالكه بأمر يحتمل كما مر، وهذا في التصيير للصغير، وأحرى في التصيير للكبير إذ لا يكون إلا برضاه. وظاهر هذا القول كأن يعرف الابن بالمال أم لا. (وقيل بل) إنما (يصح) التصيير المذكور (إن مال شهر له) أي للابن وعرف به بأن تشهد بينة أن له مالاً ورثه من أمه أو حصله من كسب يده وإن لم يبين قدره (وإلا) يكن معروفاً بالمال (فلحوز يفتقر) إن وجد بأن كان يصرف الغلة في مصالح ولده أو جهل حالة تمت الهبة وصحت وإلاَّ بأن كان يصرفها في مصالح نفسه فلا تصح لما مر عند قوله: وعن الأمين يغني الاشتراء إلخ... من أنه أراد هبة الأصل وجعل إقراره بالدين وتصيير الهبة فيه جنة لسقوط الحيازة، لأن التصيير إما لأنه لا يفتقر لحيازة لأنه من قبيل البيع وإما لأنه يفتقر لحيازة شهر فقط كما مرَّ في فصله، والهبة لابد أن تحاز عاماً فأكثر فإذا رجع إليها بعد العام لم تبطل كما مرَّ، وبهذا تعلم أن هذا القول المفصل هو الذي أصاب المفصل لا ما صدر به الناظم تبعاً لابن الحاج والله أعلم.
|